









كتب : فايز الحوراني
المصدر : جريدة العرب اليوم
قبل ايام وتحديدا يوم الاحد الماضي نشرت وسائل الاعلام تصريحات وزير الداخلية في المقابلة مع وكالة الانباء الاردنية (بترا) وجميعها مطمئنة حيث أكد تعهد الحكومة بضمان نزاهة الانتخابات ومكافحة المال السياسي والفساد والمحسوبية, وان الحكومة سمحت للمنظمات المعنية من داخل المملكة وخارجها بملاحظة سير العملية الانتخابية, ورفض المراقبة التي هي مسألة سيادية وتقتصر على المرشح وممثليه... وكان موقف الحكومة والوزير مكررا تجاه مكافحة ما يعرف بالمال السياسي الهادف للتأثير على توجهات الناخبين وان القانون تضمن تغليظ العقوبات حيث ان استغلال المال في شراء الاصوات سينتج في النهاية نوابا غير اكفياء وغير قادرين على القيام بالدور المسؤول لتمثيل المواطنين والقيام بالمهام التشريعية والرقابية المنشودة حسب رأي الوزير والحكومة. وقد جاء تحديد الحكومة لموعد الانتخابات بتاريخ 9/11/2010 اعلانا لانطلاق »الماراثون« ووفاء لتعهد الحكومة وتنفيذها لتوجيهات جلالة الملك, وبالتالي فان ماراثون الانتخابات قد بدأت خطواته الاساسية والقانونية واصبحت الكرة في ملعب الجميع خصوصا الناخب الذي عليه ان يضع امامه معايير صحيحة وسليمة تعينه على تحديد موقفه وهو يتوجه الى صناديق الاقتراع لينتخب من يراه الافضل بين المرشحين للوصول الى القبة وليمثله التمثيل الصحيح ويقوم بالمهام التشريعية والرقابية بكفاءة ويتعظ من التجارب الانتخابية السابقة ليتجنب ما قد يجعله »نادما« بعد ان يدلي بصوته الذي هو الاساس في هذه العملية الديمقراطية او توجيه الاتهامات على شتى الاتجاهات.
(2)
ومما لا شك فيه ان النخب الاردنية على اختلاف وجهات نظرها وخبرتها ومواقفها سواء كانت هذه النخب قيادية في مؤسسات المجتمع المدني المنتشرة شمالا وجنوبا في النوادي والمنتديات والجمعيات والنقابات والاحزاب او تمثل حالة استقلالية عن جميع هذه الهيئات, وبما لديها من تأثير على الناخبين وبما لديها من كفاءة وخبرة فانها مطالبة ان تدخل هذا الماراثون بكل ايجابية وتتجنب المواقف (السلبية), وأخطر المواقف سلبية تلك التي تبدأ بالرأي المسبق والمواقف المسبقة, واذا ما تجنبت هذه السلبية الخطيرة ودخلت على طريق الفعل الايجابي فانها ستلعب دورا وطنيا جوهريا وسيكون لفعلها وتأثيرها ونشاطها مع ذاتها ومع الناخبين وتشجيع من تراهم مؤهلين ليكونوا نوابا اكفياء لتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان, هذا الدور الذي يمكن ان تتقدم اليه النخب هو الذي سيعزز المواقف الايجابية ويفصلها بوضوح عن المواقف السلبية, وما دامت الحكومة ملتزمة امام الملك وامام مسؤولياتها وامام الناخبين بالنزاهة والحيادية فان الناخبين والنخب المؤثرة قادرون على الفعل المؤثر لمصلحة الشعب والوطن, وما دام الكلام مكررا عن النزاهة والشفافية والحيادية فان التعريف الحقيقي والمسطرة الصحيحة والمعايير التي يتم القياس عليها جميعا تتمثل في كلمة واحدة هي »تطبيق القانون«, فالالتزام بتطبيق القانون من الناخبين والنخب والحكومة هو القاسم المشترك الاعظم الذي يجعل الكلمات الجميلة كالنزاهة والشفافية والحيادية في مكانها الصحيح الذي له انعكاسات ليس على النتائج الانتخابية القادمة فحسب بل على مجمل توجه الوطن الى الديمقراطية الحقيقية. فتطبيق القانون من دون تمييز وانتقائية هو الديمقراطية وهو النزاهة والشفافية.
(3)
ومما لا شك فيه ان الناخبين والنخب والحكومة ليسوا بمعزل عن الماضي الذي قد يستمر تأثيره جزئيا او بدرجات متفاوتة على السلوك والتوجهات المرافقة لهذا الماراثون الانتخابي الذي تظهر نتائجه في الربع الاخير من العقد الاول من الالفية الثالثة, ولهذا فان الواقعية المؤمنة بوضع مداميك قوية لأسس ومستقبل العملية الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات التي ننشد, مثل هذه الواقعية هي المحرك للناخبين والنخب والحكومة والمؤسسات المسؤولة والمعنية لان يتجنب الجميع اخطاء وخطايا الماضي, »فالمختبر« الاردني لهذا الماراثون يحذرنا من الاستهانة باخطاء الماضي وان تكرارها بحجم ونسب عالية سينعكس على المصداقية وعلى مصالح الوطن والدولة بسلبيات ونتائج لا تحمد عقباها لا سمح الله.
فالمصداقية والثقة كلمتان لا يجوز لاحد التفريط بهما ما دام في اطار الوطن والمصلحة الوطنية.
(4)
وفي هذا الاطار ونحن نعرف جميعا الحالة الاقتصادية وعدم قدرة القطاع العام على توظيف وتشغيل الافواج الهائلة من طالبي العمل وخريجي المعاهد والجامعات وبقية ما تحتويه الاسطوانة المعروفة عن الفقر ومشكلة الطبقة الوسطى والعناوين الكثيرة الاخرى, كل ذلك ينعكس على ان النائب هو نائب الوطن وهو نائب التشريع والرقابة وهو نائب الخدمات بالمفهوم السليم والقانوني, بمعنى انه يتبنى قضايا المواطنين السليمة ضمن القانون والعدالة ويتبنى قضايا المناطق الاردنية في جميع المحافظات بما تمثله تلك القضايا من اولويات على اسس ومعايير معلنة وواضحة تجعل الجميع يشعرون اننا في تبنينا للقضايا العادلة والصحيحة على مستوى الافراد والجماعات وعلى مستوى كل جزء من بقاع هذا الوطن, نكون قد خطونا خطوات لا رجعة فيها نحو مستقبل ديمقراطي اردني ينشر اشعاعه ونوره ليس على الاردنيين فحسب بل تجاه منطقتنا العربية التي هي بأمس الحاجة والفخر لوجود تجربة ناجحة في جزء عزيز منها.
(5)
ومطلوب هنا من احزابنا ونخبنا ان تدرك انها امام فعل ايجابي مطلوب بجرأة وثقة. ذلك ان الخروج من (أزمة) حزبية يتطلب ان تقدم الاحزاب والنخب ذات الخبرة والتاريخ فعلا صحيحا بان تتقدم لدعم المرشحين الاكفياء حتى لو كانوا من خارج تنظيمات الاحزاب مستعينين جميعا بمعايير ومسطرة تجمع بين الكفاءة وتاريخ المرشح والمؤهلات العلمية والمصداقية, عندها فان الاردنيين الذين يعرفون بعضهم لن يتأخروا عن الاستجابة الايجابية في الانتخاب وفي دعم من يستحق الدعم وسيكون هذا الماراثون هو الاختبار للناخبين والنخب وللحكومة, وسيكون المال السياسي مجرد (كرم) او (تبذير) على احسن تقدير.