









كتب : محمد الحسيني
المصدر : جريدة الغد
بدأ الراغبون في الوصول إلى مبنى مجلس النواب، التحضير لخوض السباق الانتخابي الذي من المتوقع أن يكون حامي الوطيس، نظرا لطبيعة القانون الجديد. وكما يجري في كل انتخابات العالم، ومنها انتخاباتنا، فاننا سنرى أشكالا وألوانا من الحملات الانتخابية سعيا من المرشحين لكسب أصوات الناخبين.
نلمس كمتابعين للانتخابات الأردنية أن هناك اتجاها تصاعديا واضحا في أحجام الحملات الانتخابية، وإنْ تفاوتت بين مرشح وآخر، إلا أن الاتجاه العام يعطي انطباعا واضحا أن مؤشر هذه الحملات سيستمر في التزايد. وفي كل انتخابات كان المواطن العادي وما يزال يتساءل بدهشة، وأحيانا بتحسر، عن المبالغ التي أنفقها المرشح الفلاني على حملته الانتخابية، ثم يتبعه بسؤال آخر بسيط؛ ما هو مصدر دخل هذا المرشح حتى ينفق هذه المبالغ الكبيرة؟ ويختمها بسؤال ثالث، هل امتيازات النائب تستحق كل هذا الصرف، وبالعامية (كيف رح يطلع المرشح مصاريه؟)
وعلى الرغم من أن هذه الاسئلة تخرج من فم المواطن العادي ببساطة، إلا أنها فعلا تشكل مفاتيح لقضايا كبيرة، منها ضرورة معرفة مصادر تمويل الحملات الانتخابية، والتأكد من عدم وجود شبهة فساد أو تدخلات أجنبية، ومنها موضوع العدالة بين المرشحين على قاعدة المنافسة الحرة والشريفة، ومنها الهدف الذي من أجله يخوض المرشح المعركة الانتخابية وينفق كل هذه الأموال الطائلة.
أشعر شخصيا بالدهشة من المبالغ التي ينفقها المرشحون على حملاتهم، ولنا أن نتخيل أن حملة انتخابية شبه جيدة، تبدأ تكلفتها من مائة ألف دينار وقد تصل إلى مليون دينار، نعم مليون دينار، وهو مبلغ أنفقه بعض المرشحين في الانتخابات الماضية، والتي سبقتها، من أين ولماذا وكيف؟
وطالما أن الانتخابات المقبلة ستكون عادلة ونزيهة وفقا لتأكيدات جلالة الملك ومن بعده تصريحات رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فمن المنطق أن تكون هذه العدالة والنزاهة شاملة لأركان العملية الانتخابية كافة، بما فيها الحملات الانتخابية للمرشحين.
فعلى المرشح أن يكون واضحا حول مصادر تمويل حملته الانتخابية، سواء كانت من جيبه الخاص أو من تبرعات ودعم الآخرين، ويجب أن يكون مصدر التمويل شرعيا لا غبار ولا علامات استفهام عليه، بل إنني أرى أنه يجب أن يكون كشف الذمة المالية شرطا من شروط الترشيح.
الأمر الآخر المهم، هو ضرورة وجود تعليمات تحدد السقف الأعلى المسموح به لنفقات الحملة الانتخابية، وأن يلتزم المرشح بتوثيق مصاريف الحملة، وأن تخضع هذه المصاريف للتدقيق من جهة حكومية. وفي تحديد السقف سعي لتحقيق مبدأ العدالة بين المرشحين، بحيث لا يكون المال معيارا للتفوق، فهناك مرشحون يملكون برامج جيدة ولكنهم غير قادرين على تسويقها انتخابيا لعدم قدرتهم على إطلاق حملات انتخابية كبيرة مماثلة لتلك التي يطلقها أصحاب المال.
كما أن توثيق وتدقيق مصاريف الحملة الانتخابية من شأنه أن يحارب ظاهرة شراء الأصوات ويحد منها، وسيجد المرشح نفسه مجبرا على الإنفاق فيما يمكن توثيقه وتدقيقه فقط، وبالتأكيد فإنه لا توجد فواتير وسندات قبض وعقود لتوثيق عمليات بيع وشراء الأصوات.
وتقع مسؤولية إصدار تعليمات واضحة بخصوص ضوابط الحملات الانتخابية المالية على كاهل الجهة المنظمة للانتخابات، وفي حالتنا فإن هذه الجهة هي الحكومة، ووزارة الداخلية بالتحديد، وهنا يجب التأكيد أن النوايا الحسنة والتأكيدات وحدها لا تكفي، ويجب التركيز على جانب التعليمات المنضوية تحت القانون، وتفعيل دور جهات الرقابة الحكومية وغير الحكومية فيما يتعلق بمراقبة نفقات الحملات الانتخابية، كما يجب ربط التجاوزات بعقوبات واضحة ومشددة لتشكل رادعا قبليا يحمي الانتخابات المقبلة من التجاوزات المالية.