









كتب : إبراهيم غرايبة
المصدر : جريدة الغد
وصف الحالة القائمة اليوم باقتصاد ومجتمعات السوق يبدو صحيحا إلى حد كبير، ولكن التشكلات الاجتماعية والثقافية حول السوق ليست حتمية ولا واحدة، فهناك عدد كبير من الاستجابات الطوعية والعفوية والاستدراجية لتأثير السوق على الحياة والسياسة والفكر، وبعض هذه التشكلات محمودة (ويظن البعض أنها سيئة) وبعضها سيئة (ويراها البعض حسنة) ومن المهم جدا أن ندرك ما الذي نريده ونحتاج إليه، وما الذي يجب أن نتخلص منه، فهذا الوعي المسبق للتحولات والاستجابة هو ما يجعل الأسواق تعمل على نحو إيجابي وفاعل، أو يجعلها (الأسواق) عملية تفكيك للمجتمعات والبنى الثقافية والسياسية.
نعلم أن المجتمعات الزراعية والرعوية في تشكلها حول احتياجاتها وتطلعاتها، أنشأت قيم المروءة والنجدة والضيافة لحماية المجتمعات والمصالح والأعمال، ثم نشأ حول هذه القيم تراث من الفنون والقصص والشعر، المشكل لتمسك الناس وحفاظهم على قيمهم ووعيهم لأنفسهم، ولكن عندما أصبحت السوق والأعمال هي المنظومة الاقتصادية الأساسية، فإننا بحاجة لمنظومة اجتماعية وثقافية تلائم التحديات والاحتياجات الناشئة، وفي كثير من الأحيان فإن هذه المنظومة، من دون وعي مسبق، تتحول إلى تشكيلات مشوهة تذهب بكثير من المكاسب الاقتصادية والمعيشية.
ففي السوق تحل الدولة والقانون في حماية الناس وتنظيم علاقاتهم، ومن ثم فإن قيم المروءة والشجاعة والكرم والتضحية والتضامن يجب أن تأخذ صيغا ومسارات واتجاهات مختلفة لدعم القانون باعتباره رابطا للناس، ولترسيخ العدالة والمساواة باعتبارها القيمة الأساسية التي تتشكل حولها الدول والمجتمعات والأسواق، وتصبح المروءة والتضامن في تكريس أهداف المجتمعات الجديدة، ومن ذلك على سبيل المثال قوانين عادلة لتنظيم العمل والأجور والضمان الاجتماعي والسلامة العامة، فهذه القوانين هي التي تنظم العلاقة بين الناس والشركات والدولة، باعتبار أن العمل أصبح المورد الأكثر أهمية واتساعا في السوق اليوم، ويجب أن تنشأ أيضا وبالضرورة قيم الإتقان والثقة والإبداع والتنافس، ويكون الكرم في تقديم الخدمات للمستفيدين وأصحاب الأعمال بأفضل وجه وبإخلاص وثقة متبادلة.
وفي علاقة الناس بالسلطة وتنظيم الحقوق والواجبات، تتشكل منظومة الضريبة والموارد العامة وإعادة توزيعها لتحقيق وتنظيم الاحتياجات والأولويات الكبرى التي تقوم عليها حياة الناس والدول، العدل والأمن والدفاع والانتماء والمشاركة والتعليم والصحة والغذاء والمسكن والرعاية الاجتماعية.
وهنا تكون وظيفة الانتخابات النيابية متابعة وإنشاء العلاقة الصحيحة المفترضة بين السوق والدولة والمجتمعات والشركات، على النحو الذي ينتج مجالس نيابية قادرة على مراقبة الأداء الحكومي وإصدار التشريع الذي يصحح العلاقة بين السوق والسياسة على النحو الذي يحقق للناس جميعهم، بلا استثناء ولا تمييز ولا تفاوت، الحياة الفضلى والعدالة.