









كتب : د. رجائي المعشر، المقر
يمر الاردن بمرحلة مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتطلب جهدا جماعيا لمواجهتها، وشاءت الظروف أن يتزامن توقيت هذه التحديات مع قرب إجراء الانتخابات النيابية، مما يتيح فرصة ذهبية امام الاحزاب والقوى الوطنية السياسية والاجتماعية لمناقشة هذه التحديات واقتراح البرامج والحلول الكفيلة بمواجهتها وتجاوزها، وطرح برامجهم على الناخبين لمعرفة قناعتهم ومواقفهم منها.
وتتقدم التحديات الاقتصادية وضع المالية العامة وبخاصة العجز المزمن في الموازنة العامة وارتفاع المديونية وتحديات متطلبات الحياة الكريمة للمواطن.
والتحديات الاجتماعية متعددة، منها ما يتصل بالعنف المجتمعي ومشكلتي الفقر والبطالة والتغيرات التي طرأت على دور العشيرة في المجتمع والفهم الخاطئ لبعض العادات والتقاليد الاصيلة وارتفاع معدلات الجريمة والادمان على المخدرات وقضايا العنف الاسري.
ويتمثل التحدي السياسي الداخلي الأكبر في استمرارية عملية الإصلاح السياسي وتركيز دعائم ما تم في هذا المجال مثل التعديلات الدستورية، وقانون الاحزاب والهيئة المستقلة للانتخابات وتطوير الانموذج الديمقراطي كما حدده الدستور وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار.
اما على الصعيد الخارجي، فتبقى القضية الفلسطينية القضية المحورية في تفكير الاردنيين ووجدانهم بما فيها من مخاوف غير مشروعة او مبررة حول حلول ممكنة لهذه القضية على حساب الاردن. وهناك ايضا موضوع الربيع العربي وتفاعلات مخرجاته في الدول المجاورة في مصر وسورية بالذات ودول الربيع العربي الاخرى.
وعلى خلفية هذه التحديات تأتي الانتخابات النيابية لتفتح باب الحوار حول مجمل هذه القضايا وغيرها فتكون بذلك فرصة لتوعية الناخبين بالمضامين الحقيقية لهذه التحديات وتتيح للمرشحين احزابا ومستقلين طرح برامجهم الانتخابية لمعالجة هذه التحديات وتجاوزها. والمأمول ان تفرز الانتخابات مجلس نواب يكون مخولا باجراء الحوارات الوطنية حول هذه القضايا وممثلا حقيقيا لمواقف الناخبين منها وينتج عن هذا الحوارتوافق غالبية اعضاءه على برامج وطنية تحقق طموحات ابناء الاردن في الحياة الأفضل.
وتُعتمد هذه البرامج الوطنية كركيزة اساسية لبرنامج الحكومة البرلمانية القادمة وتشكل المعارضة البرلمانية من النواب المخالفين لهذه البرامج والذين يقومون بدروهم بطرح برامج بديلة.
وقد وضع جلالة الملك المعظم رؤية لمرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها واتقدم في هذه المقالة برأي حول آلية تطوير اداء مجلس النواب ليتواكب مع متطلبات المرحلة أملا أن يحظى هذا الموضوع بالنقاش الذي يستحق.
مجلس النواب هو الركن المركزي في النظام الدستوري الاردني وتطوير الديمقراطية الاردنية، يبدأ ويرتكز على تطوير بنية المجلس النيابي ودوره وادائه. وتزداد أهمية المجلس النيابي بعد قرار جلالة الملك بضرورة تشكيل حكومات برلمانية بعد الانتخابات القادمة.
تطوير الاداء النيابي:
يتحقق تطوير الاداء النيابي من خلال وضع نظام داخلي جديد لمجلس النواب يلحظ ما يلي:
1)إنشاء فصل خاص في هذا النظام ينص على قيام المنابر الفكرية السياسية – التي تُشكل على اساسها الكتل البرلمانية – وطرق الانضمام اليها والانسحاب منها، وآليات اتخاذ القرار داخلها وانتخاب رؤسائها والناطقين باسمها، والنص على امتيازاتها، وعلى حقها في انشاء هيئات بحث متخصص تابعة لها من خارج المجلس النيابي او من ضمن جهازه لاجراء الدراسات العملية حول البدائل الممكنة.
2)النص على استحداث ثلاث قراءات لمشروع القانون
-القراءة الاولى – في المجلس – لمناقشة الاسباب الموجبة والاستماع الى الشرح المقدّم من الحكومة حول مشروع القانون المعني وانسجامه مع السياسة العامة للدولة.
-القراءة الثانية – في اللجنة المختصة – لمناقشة مشروع القانون بصيغته مع المختصين والمعنيين واقراره بصيغته النهائية، ويحق لاعضاء مجلس النواب حضور جلسات اللجان و/او تقديم مقترحات خطية حول مواد القانون للجنة المختصة لاجراء ما هو مناسب بشأنها.
-القراءة الثالثة – في المجلس – ويقتصر البحث خلالها، في تقرير اللجنة المختصة، والمخالفات المقدمة من اعضاء اللجان، ومن ثم التصويت.
3)اقتصار النقاش النيابي على مناقشة الوزراء حول القضايا العامة، أما القضايا التي تخص منطقة النائب الانتخابية، فيتم تقديمها على شكل رسالة الى امانة المجلس لتقوم بتحويلها الى الجهة المختصة حسب الاصول.
4)النص، في النظام الداخلي للمجلس، على بنود ميثاق شرف للعمل النيابي، ينبذ المحسوبية والواسطة والضغط على الوزراء لتحقيق مصالح انتخابية خاصة او مآرب شخصية، بحيث يكون النائب، نائب امة يدافع عن قضاياها، وينشغل بالسياسات العامة لا بتلبية الحوائج الشخصية لناخبيه وعائلته.
تطوير العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق قواعد جديدة، ضرورة لمتلطبات المرحلة المقبلة، فقد حدد الدستور مبدأ الفصل بين السلطات. وجاء ذلك واضحا في حق الحكومة باصدار نظام الخدمة المدنية وتنظيم السلطة التنفيذية استنادا لاحكام الدستور، ومن دون العودة الى مجلس الامة. وكذلك الحال بالنسبة للسلطة التشريعية، اذ ان كل مجلس يضع نظامه الداخلي، ويرفعه مباشرة الى جلالة الملك للمصادقة عليه ليصبح نافذ المفعول.
والعلاقة بين السلطتين في التشريع محددة في الدستور بوضوح. وهو يرسم آلية التعامل بين السلطتين في هذا المجال. وفي المراقبة، حدّد الدستور آلية المراقبة من خلال مناقشة السياسات، ومراقبة الانفاق من خلال تقرير ديوان المحاسبة، وحجم الانفاق وأوجهه من خلال قانون الموازنة العامة للدولة.
كما أعطى الدستور الحق لمجلس النواب، منح الثقة بالحكومة وطرح الثقة بها او بأي من وزرائها، وحدد آلية ذلك.
ان العلاقة بين السلطتين، يشوبها جو من الضبابية. وهو بحاجة الى مصارحة ومراجعة خاصة بعد التعديلات الدستورية الاخيرة لمنع تغول جهة على اخرى، ومن القضايا المهمة في هذا المجال:-
1-مناقشة الحكومة عند منحها الثقة يجب ان تعتمد على ما يلي:
أ)مدى انسجام بيان الحكومة الوزاري مع كتاب التكليف السامي والبرامج المتفق عليها بين اعضاء مجلس النواب الذي تم تشكيل الحكومة على اساسها.
ب)السياسات التي ستعتمدها الحكومة لتحقيق ذلك.
ت)قدرة الطاقم الوزراي على تحقيق الاهداف.
وبعد الاجابة عن هذه الاسئلة، يستطيع النائب أن يقرر منح الثقة أو حجبها على أسس ومعايير علمية وعملية لا شخصية.
2) تشكل الموازنة العامة أحد أهم أوجه العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. والموازنة حكما هي سياسة الحكومة المالية والنقدية للسنة القادمة. وتشتمل على سلسلة من الاجراءات الاقتصادية والمالية لتحقيق خطة الحكومة الاقتصادية للعام القادم.
لذلك فان مسؤولية مجلس النواب أن يدرس هذه الموازنة من منظار السياسات العامة الاقتصادية النقدية والمالية، ليصل الى قناعة، مع الحكومة، للموافقة أو رفض التشريعات المتعلقة بالضرائب والرسوم التي تنوي الحكومة فرضها لتحقيق الايرادات المنصوص عليها في الموازنة. وفي حالة الرفض، فعلى المجلس اقتراح البدائل إما عن طريق تخفيض الإنفاق على زيادة رسوم وضرائب اخرى غير تلك التي اقترحتها الحكومة.
إن الارتقاء بمناقشة الموازنة الى هذا المستوى يزيد من هيبة المجلس ومكانته وثقة المواطنين به لان الحديث عن مطالب مناطق تزيد في الإنفاق دون إظهار أوجه التوفير او المناقلة او المبادلة، يضع المجلس بصيغة المطالب الذي لا سميع له.
3) ان عملية المتابعة من قبل مجلس النواب لاداء الحكومة، يتطلب مراجعة دورية لانجازات والعقبات التي تواجه الحكومة بهدف المساعدة على تحقيق الاهداف لا المزايدة والمناكفة والشخصنة التي اصبحت تتسم بها بعض جلسات مجلس الامة.
4) اذا اقتنع النواب بضعف أداء أي من اعضاء الحكومة، فلهم الحق في محاسبة هذا الوزير، بما في ذلك طرح الثقة به. وهذا لا يعني الانتقاص من شخصه او من الحكومة، بل إنه إجراء يتم لغايات تنفيذ البرنامج المتفق عليه. فالعملية أساسها التكامل بين السلطتين لتحقيق الاهداف الوطنية، لا التنافس والتناحر وتسجيل المواقف.
5) وفي الوقت الذي يسعى اعضاء مجلس الامة للاطلاع والمعرفة، فإن على اعضاء السلطة التنفيذية، إعطاء المعلومات بشفافية عالية حتى تبني جسور الثقة العملية الديمقراطية وكلما زادت مأسسة العمل الديمقراطي، كلما اُغلقت الابواب في وجه المفسدين والمغرضين.
6) إن الانجاز والعمل يتطلب المناقشة الموضوعية للسياسات مرة واحدة، لا العودة إليها باشكال مختلفة، مثل طرح الاسئلة والاستفسارات حول ما تم اقراره من اغلبية مجلس النواب. ففي هذا ما يعيق الحركة ويؤخر الانجاز.
هذا في رأيي هو ما يتمناه الاردنيون من مجلس النواب القادم عند قيامه بدوره الدستوري بالتشريع والرقابة وهذا ما يستحقه الاردنيون من ممثليهم، وادعو الله أن يوفقنا على طريق الخير بقيادة جلالة الملك المعظم وخلفه أبناء الوطن المخلصين الذين لا يبخلون على بلدهم بالتضحيات مهما بلغت حدتها أو حجمها لنصرة وطنهم وخيره.